فصل: (سورة الفتح: الآيات 18- 19):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قالوا: فلمّا سمع أهل فدك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، بعثوا إلى رسول الله أن يسترهم ويحقن لهم دماءهم ويخلّوا له الأموال، ففعل، ثمّ إنّ أهل خيبر سألوا رسول الله أن يعاطيهم الأموال على النصف ففعل على إنّا إن شئنا فخرجنا أخرجناكم، وصالحه أهل فدك على مثل ذلك، وكانت خيبر فيئًا للمسلمين، وكانت فدك خالصة لرسول الله (عليه السلام) لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب.
فلما اطمئنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم، شاة مصلية، وقد سألت، أي عضو من الشاة أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيها السمّ، وسمّت سائر الشاة، ثمّ جاءت بها، فلمّا وضعتها بين يدي رسول الله، تناول الذراع، فأخذها، فلاك منها مضغة، فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء بن معرور، وقد أخذ منها كما أخذ منها رسول الله، فأما بشر فأساغها، وأمّا رسول الله فلفظها، ثمّ قال: «إنّ هذا العظم ليخبرني أنّه مسموم». ثمّ دعاها، فاعترفت، فقال: «ما حملك على ذلك؟» قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان نبيًّا فسيخبر، وإن كان ملكًا استرحت منه. قال: فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات بشر بن البراء من أكلته التي أكل.
قال: ودخلت أُم بشر بن البراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم تعوده في مرضه الذي توفى فيه، فقال: «يا أُمّ بشر ما زالت أكلة خيبر التي أكلت بخيبر مع ابنك تعادني، فهذا أوان انقطاع أبهري».
وكان المسلمون يرون أنّ رسول الله مات شهيدًا مع ما أكرمه الله تعالى به من النبوّة.
{وأخرى} أي وعدكم فتح بلدة أُخرى.
{لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا} حتّى يفتحها عليكم، وقال ابن عبّاس: علم الله أنّه يفتحها لكم. واختلفوا فيها، فقال ابن عبّاس وعبد الرّحمن بن أبي ليلى والحسن ومقاتل: هي فارس والروم.
وقال الضحّاك وابن زيد وابن إسحاق: هي خيبر، وعدها الله تعالى نبيّه قبل أن يصيبها، ولم يكونوا يذكرونها ولا يرجونها، حتّى أخبرهم الله تعالى بها. وهي رواية عطية، وماذان، عن ابن عبّاس، وقال قتادة: هي مكّة. عكرمة: هي خيبر. مجاهد: ما فتحوا حتّى اليوم.
{وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}.
{وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الذين كفَرُواْ} يعني أسد، وغطفان، وأهل خيبر، وقال قتادة: يعني كفّار قريش {لَوَلَّوُاْ الأدبار ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا سُنَّةَ الله} أي كسنّة الله {التي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ} في نصرة أوليائه، وقهر أعدائه {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلًا وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ} وهو الحديبية {مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} (الياء) أبو عمرو، وغيره (بالتاء)، واختلفوا فيهم، فقال أنس: إنّ ثمانين رجلًا من أهل مكّة هبطوا على رسول الله وأصحابه من جبل التنعيم عند صلاة الفجر عام الحديبية ليقتلوهم، فأخذهم رسول الله سلمًا، وأعتقهم، فأنزل الله تعالى: {وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ}... الآية. عكرمة، عن ابن عبّاس، قال: إنّ قريشًا كانوا بعثوا أربعين رجلًا منهم أو خمسين، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله عام الحديبية ليصيبوا من أصحابه أحدًا، وأُخذوا أخذًا، فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنهم، وخلّى سبيلهم، وقد كانوا يرمون عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة، والنّبل فأنزل الله تعالى: {وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ}... الآية.
وقال عبد الله بن المغفل: كنّا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم بالحديبية في أصل الشجرة وعلى ظهره غصنٌ من أغصان تلك الشجرة، فرفعته عن ظهره، وعليّ بن أبي طالب بين يديه يكتب كتاب الصُلح، وسهيل بن عمرو، فخرج علينا ثلاثون شابًّا عليهم السّلاح، فثاروا في وجوهنا، فدعا رسول الله (عليه السلام)، فأخذ الله بأبصارهم، فقمنا إليهم، فأخذناهم، فخلّى عنهم رسول الله، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مجاهد: أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم معتمرًا، وأخذ أصحابه ناسًا من أهل الحرم غافلين، فأرسلهم النبيّ صلى الله عليه وسلم فذلك الإظفار ببطن مكّة، وقال قتادة: ذُكر لنا أنَّ رجلًا من أصحاب رسول الله يقال له: زنيم اطّلع الثنية من الحديبيّة، فرماه المشركون بسهم، فقتلوه، فبعث رسول الله خيلًا، فأتوا باثني عشر فارسًا من الكفّار، فقال لهم نبيّ الله: «هل لكم عليَّ عهد؟ هل لكم عليَّ ذمّة؟». قالوا: لا، فأرسلهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال ابن ايزي، والكلبي: هم أهل الحديبية، وذلك أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا خرج بالهدي وانتهى إلى ذي الحليفة، فقال له عمر رضي الله عنه: يا نبي الله تدخل على قوم لك حرب بغير سلاح، ولا كراع؟ قال: فبعث إلى المدينة، فلم يدع فيها كراعًا ولا سلاحًا إلاّ حمله، فلمّا دنا من مكّة منعوه أن يدخل، فسار حتّى أتى منى، فنزل منى، فأتاه عينه أنّ عكرمة بن أبي جهل قد خرج عليك في خمسمائة، فقال لخالد بن الوليد: «يا خالد هذا ابن عمّك قد أتاك في الخيل».
فقال خالد: أنا سيف الله، وسيف رسوله، يا رسول الله، أرمِ بي حيث شئت، فيومئذ سمّي سيف الله، فبعثه على خيل، فلقي عكرمة في الشعب فهزمه حتّى أدخله حيطان مكّة، ثمّ عادوا في الثانية، فهزمه حتّى أدخله حيطان مكّة، ثمّ عاد في الثالثة فهزمه حتّى أدخله حيطان مكّة، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ} إلى قوله: {عَذَابًا أَلِيمًا} فكفّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لبقايا من المسلمين كانوا بقوا فيها من بعد أن أظفره عليهم كراهية، أن تطأهم الخيل بغير علم.
{هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الحق لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ وكفى بالله شَهِيدًا} أنّك نبي صادق فيما تخبر، ونصب {شَهِيدًا} على التفسير وقيل: على الحال، والقطع، ثمّ قال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله} تمّ الكلام هاهنا، ثمّ قال مبتدئًا: {والذين مَعَهُ} (الواو) فيه (واو) الاستئناف {والذين} في محل الرفع على الابتداء {أَشِدَّاءُ} غلاظ {عَلَى الكفار} لا تأخذهم فيهم رأفة.
{رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} متعاطفون متوادّون بعضهم على بعض كقوله تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين} [المائدة: 54].
{تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ الله} أن يدخلهم جنّته {وَرِضْوَانًا} أن يرضى عنهم.
{سِيمَاهُمْ} علامتهم {فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ السجود} واختلف العلماء في هذه السيماء، فقال قوم: هو نور وبياض في وجوههم يوم القيامة، يعرفون بتلك العلامة، أنّهم سجدوا في الدُّنيا، وهي رواية العوفي، عن ابن عبّاس، وقال عطاء بن أبي رباح والربيع بن أنس: استنارت وجوههم من كثرة ما صلّوا.
وقال شهر بن حوشب: تكون مواضع السجود من وجوههم، كالقمر ليلة البدر. قال آخرون: السمتُ الحسن، والخشوع، والتواضع، وهو رواية الوالبي عن ابن عبّاس، قال: أما إنّه ليس بالذي ترون، ولكنّه سيماء الإسلام وسجيّته، وسمته وخشوعه، وقال منصور: سألت مجاهدًا عن قوله سبحانه وتعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ}، أهو الأثر يكون بين عينيّ الرجل؟ قال: لا ربّما يكون بين عينيّ الرجل، مثل ركبة العنز، وهو أقسى قلبًا من الحجارة، ولكنّه نور في وجوههم من الخشوع، وقال ابن جريج: هو الوقار، والبهاء، وقال سمرة بن عطية: هو البهج، والصُفرة في الوجوه، وأثر السهرة. قال الحسن: إذا رأيتهم حسبتهم مرضى، وما هم بمرضى، وقال الضحّاك: أمّا إنّه ليس بالندب في الوجوه، ولكنّه الصُفرة.
وقال عكرمة، وسعيد بن جبير: هو أثر التراب على جباههم. قال أبو العالية: يسجدون على التراب لا على الأثواب، وقال سفيان الثوري: يصلّون بالليل، فإذا أصبحوا رؤي ذلك في وجوههم، بيانه قوله: صلى الله عليه وسلم: «من كثر صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار».
قال الزهري: يكون ذلك يوم القيامة، وقال بعضهم: هو ندب السجود، وعلته في الجبهة من كثرة السجود.
وبلغنا في بعض الأخبار إنّ الله تعالى يقول يوم القيامة: يا نار أنضجي، يا نار أحرقي، وموضع السجود فلا تقربي، وقال عطاء الخراساني: دخل في هذه الآية كلّ من حافظ على الصلوات الخمسة.
{ذَلِكَ} الذي ذكرت {مَثَلُهُمْ} صفتهم {فِي التوراة} وهاهنا تمّ الكلام، ثمّ قال: {وَمَثَلُهُمْ} صفتهم {فِي الإنجيل} فهما مثلان {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} قرأه العامّة بجزم (الطاء)، وقرأ بعض أهل مكّة، والشام بفتحه، وقرأ أنس، والحسن، ويحيى بن وثاب {شطاه} مثل عصاه.
وقرأ الجحدري {شطه} بلا همزة، وكلّها لغات. قال أنس: {شطأه} نباته، وقال ابن عبّاس: سنبلة حين يلسع نباته عن جنانه. ابن زيد: أولاده. مجاهد، والضحّاك: ما يخرج بجنب الحقلة فينمو ويتمّ عطاء جوانبه. مقاتل: هو نبت واحد، فإذا خرج ما بعده، فهو {شطأه}. السدّي: هو أن يخرج معه ألطافه الأخرى. الكسائي: طرفه. الفراء: شطأ الزرع أن ينبت سبعًا، أو ثمانيًا، أو عشرًا. قال الأخفش: فراخة يقال: أشطأ الزرع، فهو مشطي إذا أفرخ، وقال الشاعر:
أخرج الشطأ على وجه الثرى ** ومن الأشجار أفنان الثمر

وهذا مثل ضربه الله تعالى لأصحاب محمّد (عليه السلام) يعني أنّهم يكونون قليلًا، ثمّ يزدادون، ويكثرون، ويقوون، وقال قتادة: مثل أصحاب محمّد (عليه السلام) في الإنجيل مكتوب أنّه سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر.
{فَآزَرَهُ} قوّاه وأعانه وشد أزره {فاستغلظ} فغلظ، وقوى {فاستوى} نما وتلاحق نباته، وقام {على سُوقِهِ} أُصوله {يُعْجِبُ الزراع لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار} يعني أنّ الله تعالى فعل ذلك بمحمّد صلى الله عليه وسلم وأصحابه {لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار}.
أخبرنا عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق، أخبرنا أبو بكر محمّد بن يوسف بن حاتم بن نصر، حدّثنا الحسن بن عثمان، حدّثنا أحمد بن منصور الحنظلي، المعروف بزاج المروزي، حدّثنا سلمة بن سليمان، حدّثنا عبد الله بن المبارك، حدّثنا مبارك بن فضلة، عن الحسن في قوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله} قال: هو محمّد صلى الله عليه وسلم {والذين مَعَهُ} أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه {أَشِدَّاءُ عَلَى الكفار} عمر بن الخطّاب رضي الله عنه {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} عثمان بن عفّان رضي الله عنه {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} علي بن أبي طالب رضي الله عنه {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ الله وَرِضْوَانًا} طلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد، وسعيد، وأبو عبيدة الجرّاح {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ السجود} قال: المبشَّرون عشرة أوّلهم أبو بكر، وآخرهم أبو عبيدة الجراح {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التوراة وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجيل} قال: نعتهم في التوراة والإنجيل {كَزَرْعٍ} قال: الزرع محمّد صلى الله عليه وسلم {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ} أبو بكر الصدّيق، {فَآزَرَهُ} عمر بن الخطّاب {فاستغلظ} عثمان بن عفّان، يعني استغلظ بعثمان الإسلام {فاستوى على سُوقِهِ} علي بن أبي طالب يعني استقام الإسلام بسيفه {يُعْجِبُ الزراع} قال: المؤمنون {لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار} قال: قول عمر لأهل مكّة: لا نعبد الله سرًّا بعد هذا اليوم.
أخبرنا ابن منجويه الدينوري، حدّثنا عبدالله بن محمّد بن شنبه، حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، حدّثنا محمّد بن مسلم بن واره، حدّثنا الحسين بن الربيع، قال: قال ابن إدريس ما آمن بأن يكونوا قد ضارعوا الكفّار، يعني الرافضة، لأنّ الله تعالى يقول: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار}.
أخبرنا الحسين بن محمّد العدل، حدّثنا محمّد بن عمر بن عبد الله بن مهران، حدّثنا أبو مسلم الكجي، حدّثنا عبد الله بن رجاء، أخبرنا عمران، عن الحجّاج، عن ميمون بن مهران، عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر الزمان قوم ينبزون أو يلمزون الرافضة يرفضون الإسلام ويلفظونه، فاقتلوهم فإنّهم مشركون».
أخبرنا الحسين بن محمّد، حدّثنا أبو حذيفة أحمد بن محمّد بن علي، حدّثنا زكريا بن يحيى بن يعقوب المقدسي، حدّثنا أبي، حدّثنا أبو العوام أحمد بن يزيد الديباجي، حدّثنا المدني، عن زيد، عن ابن عمر، قال: «قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لعليّ: يا علي أنت في الجنّة وشيعتك في الجنّة، وسيجيء بعدي قوم يدّعون ولايتك، لهم لقب يقال له: الرافضة، فإن أدركتهم فاقتلوهم فإنّهم مشركون».
قال: يا رسول الله ما علامتهم؟ قال: «يا علي إنّهم ليست لهم جمعة، ولا جماعة يسبّون أبا بكر، وعمر».
{وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} أي الطاعات، وقد مرّ تأويله، وقال أبو العالية في هذه الآية: {وَعَمِلُواْ الصالحات} يعني الذين أحبّوا أصحاب رسول الله المذكورين فيها فبلغ ذلك الحسن، فارتضاه، فاستصوبه منهم، قال ابن جرير: يعني من الشطأ الذي أخرجه الزرع، وهم الداخلون في الإسلام بعد الزرع إلى يوم القيامة رد (الهاء) و(الميم) على معنى الشطأ لا على لفظه، لذلك قال: {مِنْهُم} ولم يقل: منه.
{مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}.
(في فَضلِ المُفَضَل)، حدّثنا الشيخ أبو محمّد المخلدي، إملاء يوم الجمعة في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، قال: أخبرنا أبو بكر محمّد بن حمدون بن خالد، وعبد الله بن محمّد بن مسلم، قالا: حدّثنا هلال بن العلاء، قال: حدّثنا حجّاج بن محمّد، عن أيّوب بن عتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن شداد بن عبد الله، عن أبي أسماء الرجبي، عن ثوبان، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله أعطاني السبع الطوال مكان التوراة، وأعطاني المئين مكان الإنجيل، وأعطاني مكان الزبور المثاني، وفضّلني بالمُفَضَل».
وأخبرنا أبو الحسن الحباري، قال: حدّثنا أبو الشيخ الأصبهاني، قال: أخبرنا ابن أبي عاصم، قال: حدّثنا هشام بن عمّار، قال: حدّثنا محمّد بن شعيب بن شابور، قال: حدّثنا سعد ابن قيس، عن قتادة، عن أبي الملح الهذلي، عن واثلة بن الأسقع، أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أُعطيت السبع الطوال مكان التوراة، وأعطيت المثاني مكان الإنجيل، وأعطيت المئين مكان الزبور، وفُضلت بالمُفَضَل». اهـ.

.قال الزمخشري:

.[سورة الفتح: الآيات 18- 19]:

{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19)}.
هي بيعة الرضوان، سميت بهذه الآية، وقصتها: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل الحديبية بعث جوّاس بن أمّية الخزاعي رسولا إلى أهل مكة، فهموا به فمنعه الأحابيش، فلما رجع دعا بعمر رضي الله عنه ليبعثه فقال: إنى أخافهم على نفسي، لما عرف من عداوتي إياهم وما بمكة عدوىّ يمنعني، ولكنى أدلك على رجل هو أعز بها منى وأحب إليهم: عثمان بن عفان فبعثه فخبرهم أنه لم يأت بحرب، وإنما جاء زائرا لهذا البيت معظما لحرمته، فوقروه وقالوا: إن شئت أن تطوف بالبيت فافعل، فقال: ما كنت لأطوف قبل أن يطوف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم واحتبس عندهم، فأرجف بأنهم قتلوه، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «لا نبرح حتى نناجز القوم». ودعا الناس إلى البيعة فبايعوه تحت الشجرة وكانت سمرة. قال جابر بن عبد اللّه: لو كنت أبصر لأريتكم مكانها. وقيل: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم جالسا في أصل الشجرة وعلى ظهره غصن من أغصانها. قال عبد اللّه بن المغفل: وكنت قائما ودعا الناس إلى البيعة. فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، فكان الناس يقولون: بايعهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على الموت، وجابر يقول: لم يبايعنا على الموت ولكن بايعنا على أن لا نفر، إلى أن قال: «وبلغ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل» وقوله: «وكانت سمرة». رواه مسلم من حديث جابر قال: «فبايعناه وأخذ عمر بيده تحت الشجرة وكانت سمرة» وقول جابر: لو كنت أبصر لأريتكم مكانها.